روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لقد أُنزلت علينا عشر آيات من أقامهنَّ دخل الجنة، ثم قرأ: {قد أفلح المؤمنون} إِلى عشر آيات»، رواه الحاكم أبو عبد الله في صحيحه.وروى أبو سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إِن الله تعالى حاط حائط الجنة لَبِنَة من ذهب ولَبِنَة من فضة، وغرس غرسها بيده فقال لها: تكلَّمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون، فقال لها: طوبى لكِ منزل الملوك» قال الفراء: {قد} هاهنا يجوز أن تكون تأكيداً لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريباً للماضي من الحال، لأن {قد} تقرِّب الماضي من الحال حتى تُلحقَه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة، قبل حال قيامها، فيكون معنى الآية: إِن الفلاح قد حصل لهم وإِنهم عليه في الحال. وقرأ أُبيّ بن كعب، وعكرمة، وعاصم الجحدري، وطلحة بن مصرِّف: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف وكسر اللام وفتح الحاء، على ما لم يُسمَّ فاعله. قال الزجاج: ومعنى الآية: قد نال المؤمنون البقاء الدائم في الخير. ومن قرأ: {قد أُفْلِحَ} بضم الألف، كان معناه: قد أُصيروا إِلى الفلاح. وأصل الخشوع في اللغة: الخضوع والتواضع.وفي المراد بالخشوع في الصلاة أربعة أقوال.أحدها: أنه النظر إِلى موضع السجود. روى أبو هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا صلى رفع بصره إِلى السماء، فنزلت: {الذين هم في صلاتهم خاشعون} فنكس رأسه. وإِلى هذا المعنى ذهب مسلم بن يسار، وقتادة.والثاني: أنه تركُ الالتفات في الصلاة، وأن تُلين كنفك للرجل المسلم، قاله عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.والثالث: أنه السكون في الصلاة، قاله مجاهد، وإِبراهيم، والزهري.والرابع: أنه الخوف، قاله الحسن.وفي المراد باللغو هاهنا خمسة أقوال.أحدها: الشِّرك، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: الباطل، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس. والثالث: المعاصي، قاله الحسن. والرابع: الكذب، قاله السدي. والخامس: الشتم والأذى الذي كانوا يسمعونه من الكفار، قاله مقاتل. قال الزجاج: واللغو: كل لعب ولهو، وكل معصية فهي مطَّرَحة مُلغاة. فالمعنى: شغلهم الجِدُّ فيما أمرهم الله به عن اللغو.قوله تعالى: {للزكاة فاعلون} أي: مؤدُّون، فعبَّر عن التأدية بالفعل، لأنه فعل.قوله تعالى: {إِلا على أزواجهم} قال الفراء: {على} بمعنى مِنْ. وقال الزجاج: المعنى: أنهم يُلامون في إِطلاق ما حُظر عليهم وأُمروا بحفظه، إِلا على أزواجهم {أو ما ملكت أيمانهم} فإنهم لا يُلامون.قوله تعالى: {فمن ابتغى} أي: طَلَب {وراء ذلك} أي: سوى الأزواج والمملوكات {فأولئك هم العادُون} يعني: الجائرين الظالمين، لأنهم قد تجاوزوا إِلى مالا يَحلُّ، {والذين هم لأماناتهم} قرأ ابن كثير: {لأمانتهم} وهو اسم جنس، والمعنى: للأمانات التي ائتُمنوا عليها، فتارة تكون الأمانة بين العبد وبين ربِّه، وتارة تكون بينه وبين جنسه، فعليه مراعاة الكُلِّ.وكذلك العهد. ومعنى {راعون}: حافظون. قال الزجاج: وأصل الرعي في اللغة: القيام على إِصلاح ما يتولاَّه الراعي من كل شيء.قوله تعالى: {على صلواتهم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {صلواتِهم} على الجمع. وقرأ حمزة، والكسائي: {صلاتِهم} على التوحيد، وهو اسم جنس. والمحافظة على الصلوات: أداؤها في أوقاتها.قوله تعالى: {أولئك هم الوارثون} ذكر السدي عن أشياخه أن الله تعالى يرفع للكفار الجنة، فينظرون إِلى بيوتهم فيها لو أنهم أطاعوا، ثم تقسم بين المؤمنين فيرِثونهم، فذلك قوله: {أولئك هم الوارثون}. وقد شرحنا هذا في [الأعراف: 43] عند قوله: {أُورثتموها}، وشرحنا معنى الفردوس في [الكهف: 107].